لا يختلف البحاث السياسيين علي ان الظروف الموضوعية للديمقراطية لم تكن متوفرة في ليبيا قبل 17فبراير. فالتحول نحو الديمقراطية يسبقه تشكل لبنات اساسية لها ارتباطات اجتماعية واقتصادية تحدد شكل معين من العلاقات بين رأس المال والعمال والطبقة الوسطى . ايضا استقلال تلك المكونات وعدم خضوعها لتأثير الدولة بحيث يعطيها مرونة في الحركة والتطور والنمو المستقل الذي يدعم نضوجها وبالتالي ارتفاع اصواتها بالمطالبة بالتحول الديمقراطي .
مثل هذه الظروف الموضوعية التي تسبق اي تحول ديمقراطي تعتبر احد الشروط الاساسية للتحول الديمقراطي ….هذا الغياب لتلك الظروف يمكن ان يفسر لنا جزء من تعقيد المشهد السياسي الليبي اليوم وتعثر المسار الديمقراطي وانسداد رؤية واضحة للمستقبل .
عنصر اخر له ارتباط بالعنصر الاول وهو اعتماد ليبيا منذ اكثر من 50عام علي البترول خلق نوع غير سوي من العلاقة بين الدوله والمجتمع وارباب الاعمال والعمال والطبقات الاجتماعية الاخرى. هذة العلاقه كانت في حلها علاقات تبعيه للدوله لان الدوله هي المتحكم والممول الوحيد لكل تلك المكونات بشكل او بأخر وهذا النوع من العلاقه خلق ظروف غير مواتيه للتحول الديمقراطي .ايضا الاعتماد الكلي علي البترول كمصدر وحيد متحكم في كل مناحي الحياه خلق نوع من التبعيه وعدم قدرة مؤسسات المجتمع المدني ومكونات المجتمع المدني من العمل بأستقلاليه بل عزز الاعتماد علي البترول تبعية كل تلك المكونات لمن يملك الهيمنه علي البترول وهو الدوله .
اذا ما الذي حدث في ليبيا ؟ في الحقيقه لا يمكن تفسير ما حدث في ليبيا الامن خلال نظرية كرة الثلج التي تبدأ صغيرة ثم تكبر لتجرف كل من هو في طريقها. كرة الثلج المتدحرجة من تونس ومصر جرفت محيطها وان لم يكن سبب في تكونها كما يعكس .وفي تصوري غياب تلك الظروف الموضوعية يعكس ايضا تشرذم الليبيين بين معارض اومناصر او متفرج للنظام السابق .بالاضافه الي ذالك فأن ما حدث في تونس يعكس الي حد ما ان الظروف الموضوعية السابقة للتحول الديمقراطي في تونس تختلف كثيرا عن تلك الموجوده في ليبيا .
في تونس توجد طبقة عاملة تحالفت مع الطبقة الرأسمالية والطبقة الوسطى من اجل ازاحة النظام الديكتاتوري بعد ان اصبحت مستقلة الي حد ما عن سلطة الدولة…. والعنصر الاخر الاكثر اهمية في تصوري هو عدم اعتماد الاقتصاد التونسي علي البترول لعدم وجوده مما عزز ضعف الدوله لاخضاع المكونات الاجتماعيه ورأس المال والعمال والطبقات الاجتماعية لسلطته , ومن جهه اخري عزز قوة ونفوذ تلك المكونات . البترول عنصر غير ايجابي للتحول الديمقرااطي .