طالب مقال نشرته مجلة «ذا ناشيونال إنترست» الأميركية، حلف شمال الأطلسي (ناتو) والاتحاد الأوروبي، بزيادة تواجدهما في ليبيا، وتنفيذ عمليات مدنية لتحقيق الاستقرار هناك، وإلا فإن الثمن سيكون عودة تنظيم «داعش»، وزيادة تدفق موجات اللاجئين، وزيادة احتمال تكرار سيناريو سورية من جديد.
وقال كاتب المقال، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية جيفري ستايسي، إنه على مدار السنوات الماضية، طلبت ليبيا من حلف «ناتو» والاتحاد الأوروبي، نشر عمليات مدنية لتحقيق الاستقرار، لكن تنفيذ تلك المطالب تأخر، وعلى المنظمتان الاستجابة الآن ووضع جداول زمنية قصيرة المدى.
وأرجع الكاتب التأخر في نشر العمليات الأوروبية إلى عدة أسباب أهمها الوضع الراهن في ليبيا، وتركيز أوروبا على أزمة الهجرة فقط. لكنه أكد أهمية المضي قدما في تلك الخطط في أسرع وقت، قبل أن توسع روسيا تحركاتها داخل ليبيا، وذلك في ظل تعطل جهود وساطة الأمم المتحدة، وانسحاب الولايات المتحدة من الأزمة.
وقال المسؤول الأميركي السابق إنه على حلف (ناتو) المساعدة في تدريب وإعداد قوات عسكرية رسمية، والمساعدة في تأمين حدود ليبيا، بينما يتولى الاتحاد الأوروبي تدريب الشرطة والقوات شبه العسكرية، مؤكدا أن «الفرصة سانحة الآن أمام القوى الغربية لتحويل دفة الأمور إلى اتجاه أكثر استقرارا».
ويمكن للاتحاد الأوروبي أيضا تركيز جهوده في طرابلس، وبنغازي وسرت عبر جهود بناء سيادة القانون، بالتنسيق مع حكومة الوفاق الوطني. وأكد الكاتب أن عمليات (ناتو) والاتحاد الأوروبي يجب أن تتم بالتنسيق مع الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص في ليبيا، غسان سلامة.
وتابع الكاتب: «أفضل ما يمكن أن تحققه الأمم المتحدة الآن هو تحقيق هامش صغير من الاستقرار يسمح لعمليات حلف (ناتو) والاتحاد الأوروبي بالمضي قدما. وذلك لأن عمليات تحقيق الاستقرار لها تأثير ملموس في مساعدة الأمم المتحدة في خلق استقرار مستدام».
«مفترق طرق»
ورأى الكاتب أن الوضع في ليبيا لايزال «هشا»، مع استمرار القتال، وفشل التوصل إلى اتفاق سلام حقيقي على الأرض. ومع تدخل عدد من القوى الغربية في الأزمة الليبية، وقال إن «سيناريو سورية سيتكرر إذا لم تتحرك أوروبا وحلفاؤها لتكثيف جهودها لتحقيق الاستقرار في ليبيا».
وقال: «تقف ليبيا الآن أمام مفترق طرق»، مضيفا: «في بعض الأحيان تبدو ليبيا قريبة للغاية من تحقيق الاستقرار، وفي أحيان أخرى تبدو بعيدة وهذا ما أظهره الهجوم الأخير الذي شهدتها العاصمة طرابلس».
وأردف المسؤول الأميركي السابق أنه رغم التقدم الكبير الذي حققته الأمم المتحدة في ليبيا خلال الستة أشهر الماضية، تستمر الفصائل الليبية المختلفة في الاشتباك عسكريًا، مما يعرقل احتمالات التوصل إلى اتفاق يحظى بموافقة جميع الأطراف.
«ثلاث تهديدات»
وعلى المدى القريب، حذر المقال من أن ليبيا تواجه ثلاث تهديدات كبيرة، هي تواجد بقايا تنظيم «داعش»، و«سعي الجيش الليبي للسيطرة على كامل ليبيا»، والتهديد الثالث هو عدم الاستقرار السياسي ووجود برلمانين متنافسين في طرابلس وبنغازي.
وقال الكاتب: «لبعض الوقت، بدا أن قوات خليفة حفتر اقتربت من السيطرة على ليبيا، لكن القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني وحلفاؤها حققت بعض التقدم، كما غيرت بعض المجموعات المسلحة ولاءها».
وانتقد المقال موقف أوروبا من ملف الأزمة في ليبيا، وقال إنها تنظر إلى ليبيا خلال عدسة أزمة الهجرة فقط، وذلك بسبب التحديات المصاحبة لإدماج المهاجرين في مجتماعتهم.
ولتحقيق الاستقرار في أقرب وقت ممكن، أكد الكاتب أنه على حلفاء ليبيا، الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا والإمارات، العمل معا لتخليص ليبيا من خطر المجموعات المتشددة، وإقناع الأطراف الليبية بالموافقة على اتفاق لتقاسم السلطة.
هل يقبل حفتر سلطة مدنية؟
وتحدث المقال عن عدد من نقاط الخلاف تقف أمام خطة المبعوث الأممي غسان سلامة للسلام، وأهمها منصب وزير الدفاع في الحكومة الجديدة، وهل سيتم إسناده إلى شخص مدني أم شخصية ذو خلفية عسكرية. قائلاً: «هناك توقعات واسعة أن قائد الجيش المشير خليفة حفتر سيتولى هذا المنصب بعد التوصل إلى اتفاق».
لكن السؤال الأكثر إلحاحا الآن، بحسب الكاتب، هو هل سيقبل المشير خليفة حفتر التنازل أمام الأمم المتحدة وحكومة الوفاق الوطني، وهل سيقبل دور مدني بدلا عن عسكري؟
وقال الكاتب: «في الآونة الأخيرة، تأرجح موقف خليفة حفتر بين داعم للمسار الدبلومسي الذي ترعاه الأمم المتحدة والمبعوث الأممي، وبين رافض له». لكنه توقع أن يقدم حفتر تنازلات ويوافق على أن يصبح وزيرا مدنيا للدفاع.
سلام روسي – غربي
وتطرق المقال إلى تحرك روسيا للعب دور في حل الأزمة الليبية، وقال إن «ليبيا في قلب (السلام الحار) بين روسيا والغرب، حيث تسعى روسيا للتدخل في عدد من البلدان حول العالم على حساب التحالف الأمني الغربي».
وأضاف: «من المرجح أن موسكو ترى في ليبيا فرصة لتحويل أزمة الهجرة إلى سلاح لزعزعة استقرار أوروبا». ورأى أنه من غير المفيد بالنسبة إلى أوروبا التركيز فقط على أزمة الهجرة ووقف تدفق المهاجرين القادمين إلى الشواطئ الجنوبية.
وفي هذا الشأن، ذكر المقال أن «أوروبا بحثت فكرة التواصل مع روسيا لتقييم قدرتها على مساعدة أوروبا في تقليل تدفقات المهاجرين القادمين من ليبيا».
وقال إن فرنسا تحاول وضع نفسها في مركز الجهود الدولية لحل الأزمة في ليبيا، في الوقت الذي اتبعت فيه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب نهج «انعزالي». واتفقت الأطراف الرئيسية في ليبيا، بمساعدة باريس، على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية نهاية العام الجاري.