دخلت فرنسا ضمن محاولات ملء الفراغ الذي خلفه غياب المبعوث الأممي غسان سلامة بعد استقالته من مهمته كمبعوث أممي إلى ليبيا، وهو المعروف بقربه من صناع القرار في باريس، لتقدم نفسها كوسيط محايد باستقبالها المشير خليفة حفتر، فيما ينتظر أن تستقبل الأسبوع المقبل وزير الداخلية بحكومة الوفاق فتحي باشاغا، لكنها في الواقع أيضا، تسعى إلى «القبض» على الملف الليبي، الذي بقي أسير تجاذب دولي، من اسطنبول إلى موسكو، مرورا بروما ثم برلين.
وسربت مصادر دبلوماسية فرنسية خطة باريس في هذا الاتجاه، تتمثل في توسيع ما تراه «فجوة» بين حفتر وموسكو، بعد رفض الأول التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار في العاصمة الروسية، فيما وقع عليه رئيس حكومة الوفاق، فائز السراج، منتصف يناير الماضي، لتدفع إلى حل وسط بشأن أزمة غلق حقول وموانئ النفط، إذ يتعين إنهاء الغلق، مقابل توزيع عادل لعائدات الطاقة بين المناطق الليبية دون المرور عبر مصرف ليبيا المركزي، قبل النظر في إصلاح هذه المؤسسة على المدى الطويل وفق ما نقلت جريدة «لوموند» الفرنسية الأربعاء.
وأشارت الجريدة إلى أن زيارة حفتر هي جزء من خطة باريس لإحياء نتائج قمة برلين بتاريخ 19 يناير بشأن ليبيا، التي لم ينتج منها شيء حتى الآن قائلة إنه «لم يعد يحظى بدعم روسي على خط المواجهة، منذ رفضه في 13 يناير في موسكو التوقيع على وقف لإطلاق النار بشروط الكرملين».
ووفق المصادر التي استندت إليها الجريدة، فإن التزامات حفتر الشفهية لها قيمة نسبية إلى جانب وقف الأعمال القتالية، حيث وافق حفتر مع الجانب الفرنسي على تأييد الترتيبات الأمنية المنصوص عليها في وثيقة مرفقة بإعلان برلين.
ويهدف هذا النص الذي أعدته الأمم المتحدة إلى تحديد آليات وقف إطلاق النار وتسريح «المقاتلين غير الليبيين»، وأخيرا تفكيك الجماعات المسلحة وإعادة دمجها. وأيضا وافق بعقد مؤتمر ليبي–ليبي، يكلل بحل سياسي تحت رعاية الأمم المتحدة.. وللتذكير فإن هذه الزيارة لم تكن على جدول الأعمال، ولم يعقبها أي بيان صحفي، إذ أبلغت الرئاسة الفرنسية وكالات الأنباء أن حفتر مستعد للتوقيع على وقف لإطلاق النار بشرط واحد، وهو أن يحترم الطرف المعارض وحكومة الوفاق الوطني هذا الاتفاق.
وردا على التساؤل حول ما إذا كانت زيارة باشاغا المرتقبة فرنسا، مؤشرا على توازن الموقف الفرنسي، فإن ما تسعى إليه باريس، وفق لوموند، هو محاولة إخراج الليبيين من العباءة التركية–الروسية، وهي تحاول في هذا الإطار اللجوء إلى العواصم الإقليمية–مثل الجزائر العاصمة–للمساعدة في دور الوساطة، ولكن حتى الآن، كما هي الحال في سورية، فإن الدول التي يوجد لها رجال مسلحون على الأرض -تركيا وروسيا- هي التي تملك اليد العليا.
ولفتت وسائل إعلام فرنسية في معرض تعليقها على ذات السياق، إلى أن الاهتمام الفرنسي منصب على قطاع النفط وتدخل الدول الأجنبية في ليبيا، وتأتي زيارة حفتر إلى باريس في أعقاب الزيارة التي جرت في 23 مايو 2019، وكان إيمانويل ماكرون دعا إلى استئناف العملية السياسية لإخراج البلاد من الفوضى في سياق تواصل فيه فرنسا التأكيد على أنها على الحياد بين طرفي الصراع.
وفي تقدير محللين فرنسيين فإن وجود حفتر في باريس مرة أخرى، سمح «بتقديم نفسه كطرف رئيس في ليبيا، وجاء لطلب المزيد من الدعم من الرئيس ماكرون، وفي المقابل وعد بالتوقيع على وقف إطلاق النار».
وإذا كانت باريس تدعم الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة لصالح وقف إطلاق النار، والدفع بالحوار السياسي بين الليبيين إلى الأمام، فقد فشلت جميع المحاولات في هذا الاتجاه حتى الآن، كما اعترف المبعوث المستقيل من الأمم المتحدة غسان سلامة، ما جعل باريس والعواصم الأوروبية الأخرى تخشى تدهور الأوضاع أكثر في البلاد مع وجود المسلحين الأجانب، ونشاط العديد من الجماعات المسلحة، بمن في ذلك إرهابيون وتجار أسلحة ومهربو البشر.
وينتظر أن يزور وزير الداخلية بحكومة الوفاق الوطني فتحي باشاغا باريس في الفترة من 16 إلى 18 مارس للقاء نظيره كريستوف كاستانير، ما يطرح التساؤل أيضا بشأن صفقة ما، قد تعدها فرنسا، بين المشير حفتر و«الوفاق»، وهو ما أشارت إليه بوضوح جريدة «لا تريبون» الفرنسية، بقولها، أنه يمكن لباريس أن تعرض على باشاغا عقد صفقة تزويد حكومة الوفاق ببعض طائرات الهليكوبتر المصنعة من قبل شركة «إيرباص» حسب مصادرها، معلقة «أن هذا الأمر مفاجئ باعتبار دعم فرنسا حفتر في الخفاء وهو ما تنفيه وتقول إنها ليست مؤيدة لا حفتر أو السراج».
وكان فتحي باشاغا، صرح بأن فرنسا غيرت من نهجها وسياستها تجاه ليبيا، معقبا «كانت تدعم حفتر سياسيا وعسكريا، وهو ما لا يمكن قبوله، لكن حدث تغير في الموقف الفرنسي أخيرا بعد توقفها عن دعمه عسكريا، رغم أنها لا تزال تدعمه سياسيا، مما سمح باستعادة الحوار معها على قاعدة المصالح المشتركة»، معلنا أنه سيزور فرنسا حيث سيلتقي مسؤولين من أعلى المستويات، ويوقع بعض الاتفاقات والعقود.
وقدم وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أمام البرلمان الأسبوع الماضي إحاطة بالخطوط العريضة للموقف الفرنسي، حين دعا إلى احترام مقررات قمة برلين والحاجة إلى دفع حفتر والسراج على السواء لاحترامها، داعيا ودعا الوزير الفرنسي إلى السعي لفرض وقف دائم لإطلاق النار ولإطلاق حوار سياسي شامل والتمكن من إدارة أفضل للموارد الليبية، إضافة إلى وقف إيصال السلاح إلى الأطراف الليبية.
وفي مواكبة التحرك الفرنسي الجديد، يبقى السؤال هل سينجح المسعى الفرنسي لملء الفراغ السياسي الذي تركه المبعوث الأممي، غسان سلامة بعد تنحيه الإرادي من مهمته في ليبيا، أو أننا سنشهد تحركات مماثلة من هذا الطرف الدولي أو ذاك، في نطاق التجاذب الدولي للملف الليبي، في انتظارة تعيين مبعوث جديد إلى البلاد، واستئناف، مسارات الخطة الأممية لحل الأزمة الليبية.