الإثنين , 27 مارس 2023
الرئيسية / مقالات / بعد تقارب السراج وعقيلة صالح.. لأي مدى يستطيع حفتر تغيير المشهد لصالحه؟

بعد تقارب السراج وعقيلة صالح.. لأي مدى يستطيع حفتر تغيير المشهد لصالحه؟

تشهد الساحة الليبية حاليًا وضعًا مُعقدًا أكثر من أي وقتٍ مضى؛ الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر الذي خسر الغرب الليبي في ثلاثة أسابيع فقط، تفشلُ أمامه قوات حكومة الوفاق المعترف بها دوليًّا في تنفيذ تهديدها الذي أطلقته قبل مائة يومٍ باقتحام مدينة سرت، مفتاح الشرق الليبي، وحتى اللحظة لا يستطيع أي طرف التقدم باتجاه مناطق سيطرة الآخر؛ فلا الحربُ تنتزع انتصارًا عجزت عنه بمنطق السياسة، ولا السياسة تصل إلى حلٍ يجمع الفرقاء كافة.

من وجهة نظرٍ أمريكية، كان الحل للخروج هو إخلاء مدينة سرت والجفرة، وتشكيل منطقة منزوعة السلاح تفصل بين قوات حفتر وقوات الوفاق، وعقب لقاءات سرية وعلنية جمعت أطراف الصراع، أعلن كلٌّ من حكومة الوفاق وبرلمان طبرق (السراج وعقيلة صالح) الوقف الفوري لإطلاق النار وسط ترحيب إقليمي ودولي، لكنَّ حسابات الربح والخسارة دفعت الجنرال الليبي لإعلانه رفض القرار، وهي الخُطوة التي ظنَّ الجميع – خطأً – أنه لن يجرؤ على فعلها. التقرير التالي يشرح لك ماذا تبقى من أوراق القوة لدى حفتر، وإلى أي مدى يستطيع تغيير المشهد لصالحه.

رغم موافقة حلفائه.. لماذا رفض حفتر ضمنيًّا قرار وقف إطلاق النار؟

حظي اتفاق وقف إطلاق النار الأخير بموافقة جميع الدول الداعمة للجنرال الليبي، وعلى رأسها روسيا ومصر وفرنسا والإمارات، لكنَّ الناطق باسم قوات خليفة حفتر عده تسويقًا إعلاميًّا وذرًّا للرمادِ في العيون، وتضليلًا للرأي العام المحلي والدولي، وهو أول رد فعلٍ جاء بعد صمتٍ طيلة يومين عقب البيان المتزامن الذي أصدره رئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح، بعد إعلان رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج وقف كافة العمليات العسكرية.

تقييم الأمور منفردًا، كان السمة البارزة في حفتر التي أجمع حلفاؤه على الانزعاج منها، وسبق للجنرال الليبي أن وجَّه صفعة للقاهرة في فبراير (شباط) عام 2017م، حين لم يُبد احترامًا لوساطة مصرية، وهو على أراضيها، ورفض الاجتماع مع غريمه السياسي فائز السراج الذي كان موجودًا بدعوة رسمية، للوصول إلى اتفاقٍ سياسي بين الطرفين، والأمر نفسه تكرر أول العام الجاري، حين رفض التوقيع على مبادرة وقف إطلاق النار أثناء زيارته لموسكو.

رفض حفتر الضمني قرار وقف إطلاق النار يعني رسميًّا العودة إلى مربع الحرب، بغض النظر عن أن القرار جاء بالتوافق بين حكومة الوفاق وبرلمان طبرق، وهما سلطتان متنازعتان تحظيان باعتراف دولي، وإحداهما تدعم شرعيته، يقول حميد الحصيدي، مسؤول بوزارة الإعلام الليبية التابعة لحكومة الوفاق، وشقيق منصور الحصادي، عضو المجلس الأعلى للدولة لـ«ساسة بوست»: «نعلمُ أنَّ حفتر سيسعى لإفشال التقارب السياسي بين عقيلة صالح وفايز السراج، وهو الدور السياسي الأخطر والأخير الذي سيلعبه في الملف الليبي، كونه لا يمتلك أوراقًا أخرى غيره سوى الورقة العسكرية».

وحاليًا يبدو المشهد في سرت المُحاصرة مُخالفًا لما تشهده عموم ليبيا، فحفتر قرر مؤخرًا قطع الاتصالات كافة، بالإضافة إلى خدمات الإنترنت، تزامنًا مع نشر دورياتٍ مسلحة في الشوارع الرئيسية فيها، ويكمن رفض حفتر لقرار وقف إطلاق النار، كون الوثيقتين تتقابلان في نقاطٍ رئيسيةٍ تهدد مشروع الجنرال الليبي، فكلا الوثيقتين دعتا لوقفٍ فوريٍ للمعارك الدائرة، وتبني مسار سياسي يكون الحل الأوحد للأزمة عبر تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية.

والأخطر من التسوية الشاملة الكاملة التي يتوقف على إثرها وقع المعارك، أنَّ الوثيقتين لا تشيران إلى حفتر حاضرًا أو مُستقبلًا، وهو التغيير الذي لم يكن كذلك قبل أربعة أشهر، فعقيلة صالح، الحليف الأبرز للجنرال الليبي، كان قد اقترح في مايو (أيار) الماضي مبادرة سياسية اعتبرت وقتها ركيزة القوة في المشهد السياسي المستقبلي لحفتر كونها تمنحه فرصة الترشح لرئاسة ليبيا، عكس فايز السراج.

وما عزز فرصة رفض قرار وقف إطلاق النار، أنَّ الحلفاء أنفسهم الذين رحبوا بالقرار لم يضعوا في مفاوضاتهم السرية والعلنية التي توَّجتها زيارات عقيلة صالح إلى القاهرة والأردن والمغرب وضع حفتر في الخارطة السياسية الجديدة التي جرى الاتفاق عليها مُسبقًا وخرجت إلى العلن عبر وثيقتي الوفاق وبرلمان طبرق، وهو ما عده الجنرال الليبي تهميشًا لدوره، وإعطاء القيادة السياسية الجديدة لرئيس البرلمان عقيلة صالح بدلًا منه، نتيجةً للهزائم العسكرية الأخيرة التي مُني بها رغم الدعم غير المحدود الذي حصل عليه.

ورغم أنَّ الرد الروسي العلني حول الترحيب بالاتفاق بات مُعلنًا، فإنَّ التوجه الفعلي منه لم يتضح بعد، وهو ما قد يُفسر الرفض الضمني لحفتر لاتفاق وقف إطلاق النار الذي خرج برعايةٍ أمريكية كاملة، وهو الدور الجديد الذي يُقلق حفتر كونه يهدف بالأساس لتقليل التمدد الروسي، بالإضافة إلى أنَّ دخول واشنطن طرفًا رئيسًا في الصراع يؤثر بالضرورة في مظلة حلفائه الذين اعتبر موقفهم الأخير تخليًا عنه.

هل تكون خلافات عقيلة صالح والسراج باب حفتر للبقاء في المشهد؟

التوافق الأخير بين عقيلة صالح وفايز السراج يتمحور حول ثلاثة ملفات رئيسية: «وقف إطلاق النار، وسرت، والنفط»، وبالحديث عن النفط، فإن طرفي الصراع قد اتفقا على تصدير النفط ومنتجاته المخزنة في الموانئ النفطية، وإيداع الإيرادات في حساب خاص لدى المصرف الليبي الخارجي (التابع للبنك المركزي الليبي)، ولا يجري التصرف فيها إلا بعد التوصل إلى تسوية سياسية.

وكان حفتر قد قرر، قبل ثلاثة أيامٍ من التوافق السياسي، إعادة فتح الموانئ والحقول النفطية بعد إغلاقٍ دام أكثر من سبعة أشهرٍ، خسرت معه البلاد نحو 8.4 مليار دولار، بحسب المؤسسة الوطنية للنفط، فيما جاوزت الخسائر خلال تسع سنواتٍ من الأزمة نحو 231 مليار دولار.

لكنَّ الخطوط العريضة للاتفاق تكمن خلفها تفاصيل أكبر للخلاف لم تنضج بعد، فبالنسبة لملف الطاقة، فبينما اتفق السراج وصالح على إعادة فتح الموانئ النفطية، فإنَّ الأخير يرفض حتى الآن إشراف المؤسسة الوطنية للنفط – مقرها طرابلس – وحدها على تأمين الحقول والموانئ النفطية، كونها تلغي دور المؤسسة الموازية في بنغازي، بالإضافة إلى أنَّ حفتر نفسه وافق على استئناف تصدير النفط المُخزَّن دون استئناف الإنتاج، وهي نقطة خلافٍ لم تُحسم بعد.

بالنسبة لملف وقف إطلاق النار، فإن وثيقة السراج تشمل أن تكون سرت والجفرة منزوعتي السلاح، مع إخراج مرتزقة فاجنر منهما، بينما عقيلة صالح لم يُشر إلى نزع السلاح من سرت، كما تجاهل الجفرة، واقتصر حديثه فقط على وقف العملية العسكرية.

من جهةٍ أخرى، فالاتفاق السياسي الحالي حول سرت، يتطلب استئناف عمل لجنة «5+5» العسكرية بين قوات حفتر وقوات حكومة الوفاق، وهي لجنة تختص بتثبيت وقف إطلاق النار في أماكن الصراع، وتشكلت عقب مؤتمر برلين أوائل العام الجاري، وأعاد تأكيدها إعلان القاهرة الأخير، وهي ورقة القوة التي استخدمها حفتر في كل مرةٍ لإفشال أي توافق سياسي، والعودة مُجددًا لمربع الحرب.

وفيما يتعلق بمستقبل العملية السياسية، فإن طرفي الصراع لم يحسما حتى اللحظة نقاط الخلاف بينهما، وهو ما استدعى من رئيس المجلس السياسي في حكومة الوفاق، فايز السراج، توجيه دعوة علنية لعقيلة صالح للقائه في المغرب لحسم النقاط الخلافية بينهما، والتي تفتح الباب على حفتر للبقاء في المشهد، لكنَّ صالحًا الذي رحب بالمبادرة اشترط اعتراف الوفاق أولًا بمبادرة القاهرة، ما يعني فشل اللقاء قبل أن يبدأ، لأن حكومة الوفاق ترفضها، وترى فيها محاولة حفتر للعودة إلى المفاوضات بعد هزيمة عسكرية.

وكان السيسي قد أعلن في يونيو (حزيران) الماضي، عقب خسارة حفتر الغرب الليبي، مبادرة سياسية شملت وقفًا فوريًّا لإطلاق النار عبر استكمال المفاوضات وأعمال اللجنة العسكرية «5+5» بجنيف، مع إلزام الجهات الأجنبية كافة بإخراج المرتزقة الأجانب من الأراضي الليبية، وتفكيك الميليشيات وتسليم أسلحتها، بالإضافة إلى تمثيل لأقاليم ليبيا الثلاثة في مجلس رئاسي ينتخبه الشعب تحت إشراف الأمم المتحدة، ثم اعتماد إعلان دستوري يمثل استحقاقات المرحلة المقبلة سياسيًّا وانتخابيًّا.

وبالعودة للاتفاق السياسي الأخير بين عقيلة صالح والسراج، فالخلافات أوسع من نقاط الالتقاء؛ فوثيقة السراج تدعو إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية في مارس (آذار) العام القادم، وهي الرؤية المخالفة لمبادرة عقيلة صالح ومبادرة السيسي الممثلة في انتخاب مجلس رئاسي مكون من ثلاثة أعضاء من أقاليم ليبيا (طرابلس وبرقة وفزان)، مع بدء مرحلة انتقالية جديدة تمتد بين 18 إلى 24 شهرًا، وهو الخلاف الرئيس بين الطرفين الذي لم يُحسم بعد، وتتخوفُ حكومة الوفاق من أن ذلك الاقتراح قد يُطيل من سنوات الأزمة، ويرى كل طرفٍ أنه لا تفاوض على ذلك البند.

يلفت عبد الحميد الحصادي لـ«ساسة بوست» الانتباه لأهمية تلك الورقة في قلب المعادلة من الجهتين قائلًا: «يستطيع حفتر عبر جيشه التلويح والضغط بتقسيم ليبيا وعرض نفسه رئيسًا مؤقتًا لليبيا الشرقية، في حال رفضت الوفاق مبادرة عقيلة صالح، أو في حال قررت جهة أخرى التخلي عنه».

ماذا تبقى من أوراق القوة لدى حفتر؟

رغم الخلافات التي تصدع جبهة حفتر، فإنَّه ما زال مدعومًا، حتى اللحظة، من حلفائه الذين لم ينزعوا عنه مظلة الدعم لأسبابٍ اقتصادية، ولاعتباراتٍ متعلقة بالتوزانات الإقليمية، ووفق آخر المستجدات العسكرية التي توقفت بإعلان وقف إطلاق النار، فلا يتبقى لحفتر في وسط ليبيا سوى مدينة سرت وقاعدة الجفرة الجوية الاستراتيجية، وسقوطهما يعني تلقائيًّا سقوط الجنوب، وحينها ستكون المنطقة الغربية والوسطى والجنوبية في قبضة حكومة الوفاق، مما يعني أنَّ النفوذ السياسي لحفتر سيصبح كما كان قبل صعوده في شهر سبتمبر (أيلول) عام 2016م.

وحتى اللحظة تشترط تركيا وحكومة الوفاق ضرورة انسحاب قوات حفتر من سرت والجفرة من أجل إنجاح الهدنة الحالية، وذلك مقابل عدم التصعيد بعملية عسكرية حتمية لاقتحام المدينة، تزامنًا مع عمليات التحشيد والتجييش التي يقوم بها كل طرف.

وتكمن أهمية مدينة «سرت» الليبية في كونها تتوسط الطريق بين طرابلس وبنغازي، ما يجعلها جغرافيًّا أشبه ببوابة الشرق الليبي، ومفرق العبور إلى العاصمة في الغرب، وبخلاف خصوصيتها السياسية التي تتمتع بها نظرًا إلى كونها مسقط رأس معمر القذافي وقبيلته التي تدعم حفتر، فإنَّ أهميتها الحقيقية تتمثل في أنها بوابة العبور إلى منطقة الهلال النفطي الاستراتيجية التي تستحوذ على 80% من النفط الليبي.

أمَّا قاعدة الجفرة الجوية التي تقبع في قلب وسط صحراء ليبيا، فهي باعتراف حكومة الوفاق، أخطر القواعد التي استخدمها حفتر في هجومه على العاصمة؛ لذا فالسيطرة عليها تعني انتهاء الفصل الأخير من معركة طرابلس، إضافة إلى إنَّ الجنوب الليبي سيكون معرضًا للسقوط، بينما شرق ليبيا سيصبح جبهة مكشوفة.

استمرار استحواذ حفتر على المدينة والقاعدة الجوية ومن ورائهما حقول النفط، يعطي الجنرال الليبي أوراق قوةٍ يُنتظر أن يوظفها للاستثمار في نقاط ضعف حكومة الوفاق التي تتوقف طموحاتها العسكرية على اعتبارات إقليمية بالنظر إلى حرب الوكالة التي تشهدها الساحة الليبية، وهي نقطة القوة التي تدفع لاستمرار حفتر في المشهد السياسي في ظل عدم توفُّر بديل.

وبعيدًا عن دعم حفتر، فالرغبة الروسية في منع سقوط سرت تكمن في رغبة روسيا في إقامة قاعدة عسكرية دائمة في الجفرة، على غرار قاعدة «حميميم» في سوريا، إضافة إلى قاعدة بحرية أخرى في سرت الساحلية تضمن لها موطئ قدم في شمال أفريقيا، والوصول عبر الجهتين – سوريا وليبيا – إلى شرق البحر المتوسط، حيث الدول التي تتصارع على الطاقة من جهة، ولتهديد حلف شمال الأطلسي (الناتو) من جهةٍ أخرى ردًّا على تهديدات «الدرع الصاروخية» للناتو بالقرب من حدودها الغربية.

سقوط سرت يهدد أيضًا مصالح فرنسا البحرية، كونها الدولة الغربية الوحيدة التي لا تخفي دعمها السياسي لحفتر، ولا عداءها العلني لتركيا، وسبق لأنقرة أن طلبت رسميًّا من حكومة الوفاق الحصول على إذن بالتنقيب في شرق البحر المتوسط، لتكون ضمن استراتيجية تركية انتهجها أردوغان منذ سنوات في خطة لتوسيع دور أنقرة الإقليمي في الشرق الأوسط، سواء كان سياسيًّا، أم دبلوماسيًّا، أم اقتصاديًّا، وعسكريًّا.

أما بالنسبة للإمارات، فسقوط سرت الساحلية يمهد الطريق لخسارة أبو ظبي موانئ شرق ليبيا، وتسيطر حاليًا على ميناءي طبرق وبرقة، وتضع خطة السيطرة على موانئ البحر المتوسط عبر شركة موانئ دبي، وهي التطورات التي تُنهي أطماع الإمارات الاقتصادية لصالح تركيا، في ظل تسريبات تحدثت عن توقيع اتفاقيات اقتصادية وعسكرية لم تُعلن بعد.

بالنسبة لمصر، فلا يمكن أن تسمح بسقوط سرت، كونها مفرق العبور إلى قلعة حفتر في الشرق الليبي في بنغازي، التي اختارها الجنرال الليبي لتكون عاصمته ومقر عملياته العسكرية؛ نتيجة قربها الجغرافي من الحدود المصرية، فالقاهرة هي الحليف العربي الأول لحفتر التي وفرت دعمًا جويًّا علنيًّا خلال معارك شرق ليبيا، ثم رسمت الخطة العسكرية للسيطرة على الجنوب الليبي وصولًا إلى طرابلس.

شاهد أيضاً

هل يساهم التقارب المصري التركي في حل أزمة الانتخابات الليبية؟

طرح تسارع التقارب بين دولتي تركيا ومصر ومحاولة حلحلة الملفات العالقة بينهما بعض التساؤلات بخصوص …