منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين الأطراف المتحاربة في ليبيا في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، شهدت البلاد فترة من الهدوء والاستقرار العسكري النسبي منذ اندلاع ثورة «17 فبراير» (شباط) 2011. ولكن بحلول الثالث من سبتمبر (أيلول) 2021، انقطع هذا الهدوء، حين شهدت العاصمة طرابلس اشتباكات عسكرية كانت «الأعنف» منذ وقف إطلاق النار.
كانت المفاجأة أن المشير خليفة حفتر، الذي تؤكد مؤشرات عديدة وجود توترٍ بينه وبين السلطة الجديدة في البلاد، لم يكن طرفًا في اشتباكات طرابلس، بل وقعت بين طرفين من المعسكر السياسي والعسكري نفسه المُناهض له، وهما «اللواء 444 قتال» التابع للحكومة الليبية، وما يُسمى بـ«جهاز دعم الاستقرار» التابع للمجلس الرئاسي الليبي.
أثارت الاشتباكات علامات استفهام حول طبيعة الخريطة العسكرية الحالية في ليبيا، وحجم التغيرات التي طرأت عليها منذ معركة طرابلس ووقف إطلاق النار، ورغم التعقيد والغموض المحيط دائمًا بخريطة الوضع العسكري في ليبيا خلال السنوات الماضية، فإن الساحة العسكرية لم تشهد – مؤخرًا- دخول فاعلين جُدد أو انسحاب آخرين، باستثناء حالة التراجع التي أصابت حفتر ومليشياته بعد معركة طرابلس، ولكن هناك حالة من إعادة ترتيب التحالفات والاصطفافات العسكرية تجري وفقًا للنتائج العسكرية لمعركة طرابلس، وما أسفر عنه «ملتقى الحوار السياسي الليبي» والذي أنتج سلطة تنفيذية جديدة مُنتخبة.
فقد جاء اتفاق وقف إطلاق النار ليُقر حالة توازن القوى بين الشرق والغرب؛ إذ اعترف ضمنيًّا بوجود «جيشين» في ليبيا، وهو ما ظهر في المسميات الموجودة عند علامات التوقيع: «ممثلي الجيش الوطني الليبي- القيادة العامة» و«ممثلي الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق الوطني» دون أن يشير إلى آليات توحيد المؤسسة العسكرية، وكان من مهام السلطة التنفيذية الجديدة التي تشكلت في فبراير 2021 أن تكون هي «القائد الأعلى للجيش»، وهو الأمر الذي لم يعترض عليه حفتر حينذاك، ولكنه عاد وخرقه فيما بعد على مستوى التنفيذ، بقراراته العسكرية التي اتخذها منذ مارس (آذار) الماضي 2021.
وفي ضوء ما سبق، ووفقًا للوضع السياسي والعسكري الراهن، يمكن تقسيم الخريطة العسكرية في ليبيا إلى خمسة أقطاب رئيسية:
أولًا: هيئة الأركان العامة في طرابلس
هي القوات النظامية والمليشيات المسلحة الموجودة في طرابلس، والتي ظلَّت تابعة لحكومات الغرب الليبي خلال السنوات الماضية، وكانت ولا تزال، مناوئةً لقوات خلفية حفتر في الشرق، أو ما يُطلق عليها القيادة العامة للجيش الليبي، منذ إطلاق «عملية الكرامة» عام 2014، وقد كانت تابعة لحكومة الوفاق في السابق بقيادة فايز السراج، وتتبع هيئة الأركان العامة حاليًا للحكومة الليبية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والتي تشكَّلت ضمن السلطة التنفيذية الجديدة في فبراير 2021.
وتملك هيئة الأركان السلطة على القوات البرية والبحرية والجوية، وقوات الدفاع الجوي، وحرس الحدود، الواقعة في نطاق طرابلس والغرب الليبي، بالإضافة لقوات من الاستخبارات والشرطة العسكرية، وتضمُّ كذلك نحو 50 مليشيا مُسلحة.
وتشير تقديرات الباحث مراد أصلان، إلى أن إجمالي عدد المنتسبين إلى تلك المليشيات يصل إلى 300 ألف مقاتل، وتتراوح درجة الانضباط العسكري لكل مجموعة ومليشيا حسب ديناميكياتها، فهناك مليشيات تتكون من هواة وسجناء سابقين، والذين يصل عددهم بين المليشيات إلى ما بين 15 و20 ألفًا، وهناك جماعات منضبطة عسكريًّا تقترب من انضباط الجيوش النظامية، مثل قوات «البنيان المرصوص».
وتتراوح أسباب تحالف هذه المليشيات وقتالها تحت لواء حكومات طرابلس المتعاقبة، بين أسباب أيديولوجية أو متعلقة بالولاء القبلي، أو المكاسب المادية والشخصية لبعض قادة المجموعات، ومؤخرًا، بعدَ انتخاب حكومة الدبيبة، تحاولُ هذه المليشيات إعادة رسم خريطة تحالفاتها مرة أخرى، بما يضمن لها دورًا في العملية السياسية المقبلة. وفيما يلي نستعرض أبرز القوات والكتائب التي تنضوي تحت سلطة هيئة الأركان العامة:
قوات الردع الخاصة:
تأسست عام 2012، ثم أُعيد تسميتها لتُعرف بـ«جهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب»، وتتخذ من قاعدة «معيتيقة» العسكرية مقرًّا لها، ويبلغ عدد منتسبيها نحو 5 آلاف عنصر من بينهم ألفا عنصر مدربين بشكل احترافي، ويقع نفوذها ضمن منطقة شرق طرابلس، وتعد أكثر الجماعات تنظيمًا وتسليحًا، وتتبع وزارة الداخلية، وينتسب إليها عدد من ضباط الشرطة والجيش، ويقودها عبد الرؤوف كاره، وهو منْ أحدث بها طفرة كبيرة على مستوى التدريب والتأهيل.
اللواء 444 قتال:
هي فرقة خاصة تتبع وزارة الداخلية، ومجهزة بأحداث الأسلحة، ومدربة على الاقتحام وصد الهجمات. ويقودها محمود حمزة، أحد القادة السابقين لقوات الردع الخاصة، ويتمركز اللواء في مناطق مختلفة جنوبي طرابلس، في «السواني» و«قصر بن غشير»، و«صلاح الدين»، و«وادي الربيع»، و«خلة الفرجان» و«السبيعة» و«السايح»، وخارج طرابلس في «ترهونة» و«بني وليد» و«سوق الخميس امسيحل» و«القريات»، ويستمد قوته من منطقة «سوق الجمعة»، أحد أكثر أحياء طرابلس نفوذًا، كما أن أفراده ينتمون لمختلف المدن الليبية، ويتحالف اللواء مع بعض كتائب مصراتة، و«كتيبة النواصي» و«قوات الردع الخاصة».
كتيبة ثوار طرابلس:
هي ائتلاف من مجموعات مختلفة تتمركز في شرق وجنوب شرق طرابلس، تأسست في أبريل (نيسان) 2011، ولعبت دورًا عسكريًّا كبيرًا خلال الثورة في إسقاط القذافي، وحاليًا تؤدِّي مهامًا أمنية في مناطق تمركزها ضمن جهاز الأمن المركزي هناك، وتشرف عليها وزارة الداخلية، وتحوي قرابة ألف و500 عنصر.
الكتيبة 301:
تأسست بمصراتة عام 2015، على يد «حكومة الإنقاذ الوطني»، فتمكنت من السيطرة على المناطق الواقعة جنوب غرب العاصمة الليبية طرابلس، واستقرت هناك. تعمل حاليًا تحت قيادة عبد السلام الزوبي، وتتبع وزارة الدفاع بوصفها كتيبةً في الجيش النظامي.
كتيبة فرسان جنزور:
يتمركزون في منطقة جنزور في طرابلس وكذلك غرب طرابلس، ومهمتهم حفظ الأمن في تلك المناطق، ويتبعون وزارة الدفاع.
كتيبة النواصي:
تُعرف أيضًا باسم «القوة الثامنة»، وتعد المجموعة المسلحة الأكثر تنظيمًا ضمن المجموعات التي تتبع وزارة الدفاع، ويقودها مصطفى قدور، وتمتلك نحو ألف و200 مقاتل يمتلكون أسلحة متوسطة.
قوات تاجوراء (مليشيا البقرة):
هي تحالف من الجماعات المسلحة في حي «تاجوراء» شرق طرابلس، وهي مسؤولةٌ عن أمن الحي، وتضمُّ بين صفوفها «قوة المهام الخاصة» و«رحبة الدروع»، والتي تعد أحد أقوى مليشيات طرابلس، وكان لهذه القوات دور أساسي في تمكين حكومة الوفاق السابقة من الدخول إلى العاصمة عام 2016، ولذا ضمَّها السراج إلى رئاسة الأركان التابعة للحكومة، ولكن بعد اشتباك هذه القوات مع قوات الردع الخاصة عام 2018، وهجومهم على قاعدة معيتيقة الجوية، حلَّها السراج، ولكنها ما زالت نشطة إلى الآن، وما زالت تحمل العداء لقوات الردع الخاصة.
قوات الزنتان:
هي جماعات مسلحة ليس لها نفوذ خارج مناطقها، مدينة الزنتان، والتي وصلت إليها عام 2014 بعد طردها من طرابلس، وهي قليلة العدد والعتاد، وتُطلق على نفسها اسم «القوة الوطنية المتحركة»، وتتمركز بقاعدة الوطية الإستراتيجية، ومسؤولة عن تأمين الحدود مع تونس، ويتزعمها أسامة الجويلي، والذي سبق أن شغل منصب وزير الدفاع في الحكومة المؤقتة لعبد الرحيم الكيب من نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 إلى نوفمبر 2012.
ثانيًا: جيش حفتر (القيادة العامة للجيش الليبي)
تأسس عام 2014 مع «عملية الكرامة» التي أطلقها خليفة حفتر، يتعاون هذا الجيش مع حلفاء دوليين وإقليميين، مثل مصر والإمارات وروسيا، ويعاملونه على أنه «جيش ليبيا الوطني»، ويُعرف إعلاميًّا بـ«القيادة العامة للجيش الليبي»، وهو طرف أساسي في الصراع الليبي، إن لم يُعد السبب الرئيسي لاستمرار الصراع إلى يومنا هذا.
ورث حفتر جيش القذافي، ببنيته وبعض أسلحته، وما زال ينصِّب نفسه «قائدًا أعلى للجيش»، رغم أن الصيغة السياسية الراهنة منحت هذه الصلاحية للمجلس الرئاسي الليبي، وعَيَّن حفتر ضُباطًا سابقين بجيش القذافي قادةً لتنظيم المناطق وغرف العمليات: الكرامة في بنغازي، وعمر المختار في درنة، والوسطى في الهلال النفطي. وبحسب تقارير غربية، قُدِّر إجمالي عدد قوات جيش حفتر عام 2019 بما يفوق الـ30 ألف عسكري، مع امتلاكه لعددٍ من طائرات «سوخوي 22»، و«ميج 21» الروسية، و«ميراج إف 1» الفرنسية.
ورغم إطلاق مسمى «الجيش النظامي» على قوات حفتر، فإن تقديرات أنس القماطي، الباحث بمركز كارنيجي للشرق الأوسط، تذهب إلى كونه جيشًا غير نظامي من الأساس، فهو مكَّون من مستويين، وذلك بغية التحصن ضد الانقلابات وإحكام السيطرة عليه:
المستوى الأول:
عبارة عن شبكة قبلية تقليدية؛ إذ نجح حفتر في حشد ولاء قبائل الشرق الليبي، بتعيينهم في مناصب قيادية عُليا في الهيكل العسكري والسياسي في شرق ليبيا، مع منحهم مزايا اقتصادية حصل عليها بالسيطرة على موارد النفط في البلاد، وباستخدام أسلوب «العصا»، أو عقاب القبائل المتمردة، بتقليب القبائل الأخرى عليها.
المستوى الثاني:
وهو أشبه بنظام «الحرس الجمهوري»، وقد تأسس على الولاء العائلي؛ إذ أنشأ حفتر مجموعة من الكتائب المدربة والمجهزة جيدًا بقيادة ابنه صدام، وصهره أيوب الفرجاني، ومنحَ حفتر تلك القوات معدَّات وتدريبًا أفضل، ناهيك عن تحكمها في مخزونات الأسلحة والذخيرة لجيش حفتر بالكامل، أي إنَّ لها شبه سيطرة وسيادة على القوات القبلية.
وبعد فشل حملة حفتر العسكرية على طرابلس، الأولى من أبريل (نيسان) 2019 إلى مارس (آذار) 2020، والثانية من مارس 2020 إلى يونيو (حزيران) 2020، وتراجع الزخم الإقليمي والدولي الداعم له، ثم انتخاب السلطة التنفيذية الجديدة في فبراير 2021، اضطر حفتر إلى الانصياع على مضض للسلطة الجديدة، وهو ما عني قبول كونها قانونيًّا «القائد الأعلى للقوات للمسلحة» سواء في الشرق أو الغرب.
ولم يدم سكون حفتر طويلًا؛ إذ سرعان ما عاد لتحدي السلطة الجديدة، متجاوزًا صلاحياتها، ليتخذ قرارات بخصوص جيشه دونَ العودة للحكومة، وكانت البداية في أبريل 2021، عندما أطلق مناورات عسكرية وُصفت بـ«الضخمة»، دون أخذ موافقة المجلس الرئاسي.
وكذلك في أغسطس (آب) 2021، أصدر حفتر عددًا من القرارات الخاصة، بإعادة تعيين قادة وأمراء المناطق العسكرية التابعين له، فردَّ المجلس الرئاسي برفض هذه القرارات، معتبرًا إياها «تجاوزًا لصلاحياته» التي منحها له الاتفاق السياسي، ثم جاء الرد المباشر من حفتر في كلمته، في الاحتفال بالذكرى الـ81 لتأسيس الجيش الليبي، حين قال إن: «الجيش الوطني لن يخضع لأي سلطة غير منتخبة من الشعب مباشرة»، في إشارة إلى المجلس الرئاسي.
ثالثًا: جهاز دعم الاستقرار (المجلس الرئاسي الليبي)
تأسس في يناير (كانون الثاني) 2021، قبل أيام من انتخاب السلطة التنفيذية الليبية الجديدة، على يد رئيس الوزراء السابق، فايز السراج، وذلك وفقًا للقرار رقم (38) لعام 2021، وحينها كلَّف المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق عبد الغني الككلي (غنيوة الككلي) برئاسة الجهاز، وكذلك جرى تكليف كل من أيوب أبو راس، وحسن أبو زريبة، وموسى مسموس بمهام نوَّاب رئيس الجهاز.
ويسيطر غنيوة الككلي على منطقة أبو سليم، وهي من أكبر الأحياء كثافةً بالسكان في طرابلس، واتُّهم فيما سبق بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان ضد مدنيين ومسؤولين والسيطرة على مؤسسات الدولة، وكان الككلي يقود فيما سبق «قوات الأمن المركزي» في «أبو سليم»، والتي كانت تحت سلطة وزرة الداخلية.
وقد نصَّ قرار إنشاء الجهاز على منحه المسئوليات التالية:
«تعزيز الإجراءات الأمنية الكفيلة بحماية المقرات الرسمية للدولة من أية تهديدات أمنية. وحماية المسؤولين بالتنسيق والتعاون مع الجهات المختصة، وتأمين وحماية الاحتفالات والمناسبات الرسمية. وتنفيذ العمليات القتالية – كلما اقتضت الضرورة- بما في ذلك عمليات الاقتحام والمداهمة والملاحقة الأمنية بالتنسيق والتعاون مع الجهات المختصة. ومكافحة الشغب وفض الاشتباكات التي ينفذها المسلحون الخارجون عن القانون. والقبض وملاحقة المطلوبين في القضايا التي تهدد الأمن القومي للدولة».
في هذا الصدد، ربما يكون الاستنتاج المنطقي الأول أن «جهاز دعم الاستقرار» لا يعد فاعلًا عسكريًّا جديدًا ضمن الخريطة الليبية، ولكنه شكل من أشكال إعادة تنظيم المشهد والولاءات؛ إذ إن مهامه متداخلة مع بعض الجهات الرسمة الأخرى.
إضافةً إلى ذلك، ورغم أن الجهاز يتبع حاليًا – من الناحية الرسمية- المجلس الرئاسي الليبي مباشرةً، ورئيسه محمد المنفي، يبدو أن الككلي، رئيس الجهاز، هو من يقوده منفردًا دون العودة إلى المجلس الرئاسي، وهو ما ظهرَ في قتاله العنيف في 3 سبتمبر (أيلول) 2021 ضد «اللواء 444 قتال»، حين اندلعت الاشتباكات عند مقر «اللواء 444 قتال» وذلك بحجَّة «تصحيح مسار اللواء بعد ملاحظة انحرافه وعدم امتثاله للأوامر العسكرية»، ويبدو أن هذا الهجوم تمَّ دون موافقة المجلس الرئاسي.
ويبدو أن الككلي نقلَ نفوذه الشخصي واصطفافاته وعلاقاته القديمة مع جماعات وكتائب طرابلس إلى قلب الجهاز، فدخل في صراعات جديدة مع أعدائه القدامي في طرابلس، سعيًا لتوسيع نفوذه في مناطق جغرافية أكبر.
رابعًا: مليشيات مصراتة
تعد مصراتة ثالث أكبر المدن الليبية، وهي مفترق طرق التجارة عبر الصحراء والتجارة البحرية في المتوسط، ولأهميتها الجغرافية والاقتصادية، استمدت مليشياتها أهميتها الإستراتيجية في الصراع الليبي في السنوات الماضية، فكانت مليشيات مصراتة هي الأكثر عددًا ونفوذًا بين نظائرها من المليشيات، وتمتدُّ من «السدادة» شرقي المدينة بنحو 80 كيلومترًا إلى مدخل العاصمة طرابلس، وتحديدًا مدينة القرابللي.
ويصل عدد عناصرها إلى نحو 5 آلاف مقاتل، بجانب امتلاكها مئات العربات المسلحة، ومئات الدبابات، وعشرات الطائرات العسكرية، إضافة إلى مخازن للأسلحة، ويعد فتحي باشاغا، وزير الداخلية الأسبق في حكومة الوفاق، صاحب النفوذ الأكبر في مصراتة وبين قواتها.
ومن بين أكبر مكونات قوات مصراتة:
كتيبة حطين:
وهي من أكبر المليشيات المسلحة هناك من حيث العدد، ويقودها عمر محمد عظام.
كتيبة 166:
يقودها محمد الحصان، وهو منْ هدَّد حكومة الوفاق قبل ذلك بالانشقاق عنها، حال خرج باشاغا منها.
لواء الصمود:
يعدُّ من أكبر وأقوى المليشيات المسلحة هناك وفي الغرب الليبي، ويقودها صلاح بادي.
لواء الحلبوص:
من أقوى وأكثر المليشيات تجهيزًا، وكانت أكثر الداعمين لحكومة السراج، وتسيطر على طريق المطار وجنوبي طرابلس، ويقودها محمد الحداد، والذي كان رئيسًا لأركان القوات الليبية في عهد السراج.
كتيبة المرسي:
شكَّلها باشاغا بنفسه، وشاركت في هجوم فجر ليبيا عام 2014.
رغم اصطفاف مليشيات مصراتة منذ 2014 مع المعسكر الغربي وحكوماته المتعاقبة، في مواجهة حفتر، فإنّه يمكن اعتبارها قوة وازنة أو طرفًا يتمتع بدرجة من الاستقلال النسبي عن باقي الأطراف العسكرية ضمن المشهد الليبي، وقد ساعدتها عوامل الجغرافيا وحجم مليشياتها على ذلك.
واتضح ذلك الاستقلال النسبيُّ في اصطفاف بعض مليشياتها ضدَّ مواجهة حكومة السراج في السابق، دعمًا لفتحي باشاغا، ومؤخرًا وقَّعت «كتيبة 166» التابعة لمصراتة اتفاقًا مع قوات حفتر لتشكيل قوة أمنية مشتركة لتأمين «طريق النهر»، الرابط بين منطقتي الشويريف والسدادة، ناهيك عن الاتفاق على عملية لتبادل الأسرى، ولا يعني ذلك أن مليشيات مصراتة تتجه إلى التحالف مع حفتر، ولكن يعني أنها صارت فاعلًا شبه مستقل، يملك إرادة سياسية وعسكرية، لا ترتبط بالضرورة مع طرابلس، إلى وقتنا هذا على أقل تقدير.
خامسًا: المرتزقة الأجانب والحضور الجهادي
جذبت معركة طرابلس الأخيرة، والتي مهَّدت نتائجها للاتفاق السياسي الراهن، العديد من الأطراف الإقليمية والدولية للتدخل بشكل مباشر في الصراع الليبي، كلٌ حسب اصطفافه السياسي والعسكري، ورغم انقضاء المعارك، فإن الأراضي الليبية ما زالت تعج بهؤلاء المقاتلين الأجانب والمرتزقة، وقدَّرت الأمم المتحدة حجم المرتزقة الأجانب في ليبيا بما لا يقل عن 20 ألف مقاتل.
بدأ وجود المرتزقة في ليبيا مع الروس الذين قاتلوا إلى جانب حفتر، وتحديدًا مجموعة «فاجنر»، وهي شركة عسكرية روسية خاصة، اتُّهمت بشن حروب سرية نيابةً عن الكرملين في دول مثل أوكرانيا وسوريا، وتشير التقديرات الأمريكية إلى أن عدد أفرادها يصلُ إلى ألفي فرد، بينما تشير تقارير الأمم المتحدة إلى وجود ألف و200 فرد منهم في ليبيا.
وبعد توقيع تركيا لمذكرتي تفاهم مع حكومة الوفاق الليبي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، تتعلق إحداهما بالتعاون الأمني والعسكري، تحدثت تقارير عن إرسال أنقرة عناصر عسكرية تركية، وخبراء ومشغلين فنيين لأنظمة الدفاع الجوي التركية المنتشرة في غرب ليبيا، لمعاونة السراج في معركته ضد حفتر، بجانب إرسال أنقرة 3 آلاف و800 مقاتل سوري للغرض نفسه، بحسب تقرير لوزارة الدفاع الأمريكية.
وفي المقابل، استعان حفتر بعدد كبير من المرتزقة السودانيين، وتحديدًا من الجماعات المتمردة بدارفور، وذلك مقابل مزايا اقتصادية ومالية، والأمر نفسه حدث مع المرتزقة التشاديين، الذين ينتمون للجماعات المعارضة ضد النظام السياسي الحاكم في تشاد، ولكنَّ المقابل هذه المرة، هو سماح حفتر لهم بالتمركز في مناطق الجنوب الليبي، حتى تكون قاعدة عملياتهم العسكرية في العُمق التشادي.
وعلى جانب آخر، تحدث «معهد الدراسات الأمنية الأفريقية» عن إعادة انتشار «تنظيم الدولة في العراق والشام (داعش)» في منطقة غرب أفريقيا، وذلك بإنشاء أربع ولايات له في المنطقة، إحداها في حوض بحيرة تشاد، لتكون أكثر اتصالًا بالجنوب الليبي، ومن المتوقع أن تضم ليبيين بين صفوفها، وقد يمتد نشاطها إلى هناك، وليس أدل على ذلك من التفجير الانتحاري الذي وقع في يونيو 2021 في نقطة تفتيش بمدينة «سبها» الجنوبية، والذي أودى بحياة اثنين، وخلَّف ثلاثة مصابين، فضلًا عن تدمير عدد من سيارات مديرية الأمن بالمدينة.
إجمالًا، ورغم حالة الهدوء التي نعمت بها البلاد على مدار الشهور الماضية، يبدو أن المرحلة القادمة ستكون أكثر تعقيدًا، فحفتر لم يتخلَ عن طموحه السياسي والعسكري، ويسعى لإعادة نسج علاقاته الإقليمية، ويُصعِّد تدريجيًّا من مواجهته ضد السلطة الجديدة.
وعلى الجانب الآخر، وبعد أن بدا لمعسكر الغرب الليبي أن خطر حفتر قد تراجع، بدأ التنافس الداخليُّ، والرغبة في احتلال مواقع أهم في الخريطة السياسية الجديدة، ففي ليبيا اليوم الطريق إلى النفوذ السياسي يبدأ من البندقية وقد يُحسَم بها.