طالت كارثة الفيضانات والسيول في المنطقة الشرقية الأراضي الزراعية والثروات الحيوانية في منطقة الجبل الأخضر التي سميت حتى وقت قريب بـ«مزرعة ليبيا»، وهو ما سينعكس سلبًا على أسعار الخضروات والفواكه واللحوم والحبوب خلال الفترة المقبلة.
وطغى ملف إعادة الإعمار والخطط العمرانية التي تتضمن إنشاء بنية تحتية جديدة على ملفات أخرى متعلقة بحصر أضرار الفلاحين والناشطين في القطاع الذين تأثروا أكثر بسيول سدي درنة المنهارين، على خلفية جرف المياه مساحات واسعة من أراضي المزارعين ممن كانوا ينتظرون جني إنتاجهم من الخضر، إلى جانب مربي الماشية بأنواعها وهم يمثلون نحو 40% من إنتاج ليبيا للثروة الحيوانية.
ومع أن ليبيا ينظر إليها على أنها بلد صحراوي في العموم، غير أنها تحتضن غابات الجبل الأخضر في الشمال الشرقي تشطرها أودية بمدينة البيضاء، حيث يصل امتداد سلسلة تلال الجبل من بنغازي إلى درنة لمسافة تصل إلى 350 كيلومترًا على ساحل البحر المتوسط.
كما تغطي منطقة الجبل الأخضر مساحة 943 ألف هكتار فيما تشكل الغابات نصف هذه المساحة، وفقًا للهيئة العامة للزراعة والثروة الحيوانية والبحرية.
الجفاف يضاعف أزمات الأراضي الزراعية في ليبيا
ولأهمية هذه المنطقة في تحقيق جزء من الأمن الغذائي، كان الرهان عليها لإنقاذ الموسم الزراعي المتضرر بسبب الجفاف، ووفق المركز الأوروبي للبحوث المشتركة المتخصص في تعقب حالة الزراعة، كشف في دراسة له قبل أسابيع، أن العائدات الإيجابية في إقليم برقة قد تُعوّض تدني مستوى المحاصيل بإقليم طرابلس.
لكن في ظل المتغيرات المناخية الطارئة عقب إعصار دانيال، فإن المنطقة المعتمدة على المياه الجوفية وسقي المحاصيل الزراعية من السدين والوديان، ستعاني لأشهر بسبب تسرب مياه الصرف الصحي الى الآبار.
وحسب تصريح صحفي سابق لمدير إدارة الثروة الحيوانية بمنطقة الجبل الأخضر صالح سليمان بومباركة، فإن التقديرات المبدئية تشير إلى أن أكثر من 40% من الثروة الحيوانية في الجبل الأخضر من أغنام وأبقار وإبل ودواجن نفقت وتضررت حظائرها. كما أثّر الإعصار على الطرق المؤدية إلى مراعي تلك الحيوانات، وناشد الجهات المختصة بضرورة حماية ما تبقى من الثروة الحيوانية.
ووفق التقديرات المبدئية لمسؤولين موالين للحكومة المكلفة من مجلس النواب فإن خسارة مربي المواشي في كامل منطقة الجبل الأخضر تمثل ما يزيد على 30 ألف رأس من الأغنام والمواشي.
تأثر الزراعة ليس سببه الفيضانات الأخيرة وحدها
ولم تكن الفيضانات فقط المؤثر على موسم الزراعة في ليبيا، إذ كان لعموم التغيُّرات المناخية المتطرفة تأثير كبير وفق تقييم أممي نشر في مايو الماضي، أشار إلى تسبُّبها في تخلي الكثير من المزارعين عن المهنة لتأمين لقمة العيش بسبب الخسائر الناجمة عن الجفاف والتصحر وأزمة الكهرباء، في مقابل غياب دعم الحكومات المتعاقبة وغياب التأمين.
وصنفت دراسة لمبادرة «ريتش» دولية الممولة من جهات أممية، نيابة عن برنامج الأغذية العالمي، ليبيا إلى منطقتين مناخيتين رئيسيتين وهما المناطق الصحراوية أو القاحلة التي تمثل أكبر مساحة في البلاد (أكثر من 95% من المساحة الإجمالية)، ولكنها ذات كثافة سكانية منخفضة للغاية، ومناطق البحر الأبيض المتوسط والتي تتركز فيها الغالبية العظمى من المناطق الحضرية وأراضي المحاصيل، إذ تختلف سبل كسب العيش في هذه المناطق المناخية الرئيسية اختلافًا كبيرًا.
ومن ضمن التحديات الرئيسية التي جرى التوصل إليها هي الإطار القانوني للأنشطة الزراعية وحماية البيئة واستخدام المياه، «فقد كان هناك تشجيع حكومي محدود للمزارعين على تبني ممارسات مستدامة، فيما لا يوجد تعويض عن الأضرار أو الخسائر التي تكبدها الفلاحون».
خطر قطع أشجار الغابات في الجبل الأخضر
يأتي ذلك في وقت حذر فيه مراقبون خلال السنوات الأخيرة من تعرض الحياة البرية خاصة غابات الجبل الأخضر للقطع الجائر.
وفي وقت سابق، طالب المجلس الرئاسي حكومة الدبيبة بتحديد حجم الخسائر التي مُنيت بها عدة مدن جراء إعصار دانيال ووضع خطة زمنية دقيقة، مشيرًا إلى الحاجة إلى تعزيز الشفافية بآلية دولية مصاحبة لمكافحة الفساد ومنع استغلال الأزمات أو تعطيل المساعدات أو الاستيلاء عليها.
من جهته، أقر مجلس النواب بالإجماع إقرار ميزانية طوارئ بقيمة 10 مليارات دينار ليبي لمعالجة آثار الفيضانات في المناطق المتضررة على أن تودع في حساب في مصرف ليبيا المركزي، إلى جانب بقية المخصصات أو المعونات المحلية والدولية؛ فيما أصدر رئيس حكومة الوحدة الوطنية الموقتة عبدالحميد الدبيبة قرارًا بتخصيص ملياري دينار ليبي لإعادة إعمار درنة، ومناطق أخرى.