على أصوات طلقات الرصاص، وقذائف المعارك الدائرة بين قوات اللِّواء المتقاعد خليفة حفتر ، والقوات المؤيدة للمؤتمر الوطني الليبي، يتجه الليبيون إلى صندوق الاقتراع الأربعاء المقبل 25 يونيو آملين في استحقاق انتخابي نزيه يوقف نزيف الدماء في البلاد، ويجنب الثورة الليبية الدخول إلى نفق مظلم على غرار ما حدث من نكسة في بعض دول الربيع العربي.
وبسبب هذا المناخ المتوتّر، يُرجح أن يكون الإقبال على الإقتراع في الإنتخابات البرلمانية الأولى منذ الإطاحة بالديكتاتور السابق معمر القذافي ضعيفا، إذ أكد عماد السايح، رئيس المفوضية العليا للإنتخابات أن 1.4 مليون ناخب فقط سجّلوا أسماءهم في اللوائح، من أصل 3.4 ملايين شخص في سنّ التصويت.
بهذا المعنى، يزداد المشهد الليبي تعقيدا، لاسيما باستمرار الفراغ السياسي في أعقاب قرار المحكمة الدستورية العليا نزع الشرعية عن حكومة أحمد معيتيق، والتمديد آليا لحكومة عبد الله الثني المستقيلة أصلا، في انتظار الإنتخابات التي يُؤمّل أن تحسِم الصراع بين الفرقاء المُتنازعِين على إدارة البلد.
ومن الثابت، أن التحرك العسكري للّواء المتقاعد خليفة حفتر للقضاء على الهيئات الإنتقالية المنبثِقة من ثورة 17 فبراير، استند على دعمٍ علنِي أحيانا ومبطّن أحيانا أخرى من قِوى دولية وإقليمية معنية بالوضْع الليبي.
واعتبرت المحكمة الدستورية العليا انتخاب معيتيق، مرشّح تيار الإسلام السياسي لرئاسة الحكومة “انتهاكا للدستور”، في خطْوة عكست اتّجاها إلى استبعاد التيارات الإسلامية من المشاركة في قيادة البلد أثناء الفترة الإنتقالية المقبلة. ويمكن اعتبار هذا التوجّه، صدىً للتطوّرات الأخيرة في مصر وتونس، حيث تراجَع نفوذ الأحزاب الإسلامية وأجبرت (بطرق مختلفة) على ترْك دفّة الحكم.
ويرجح عمر عاشور، الباحث اللّيبي المتخصّص في شؤون الحركات الإسلامية، أن يظل الإسلاميون “طرفا حاسِما في الحياة السياسية الليبية في المستقبل القريب”. وأقرّ عاشور، وهو مدير برنامج الدراسات العليا لسياسة الشرق الأوسط في جامعة أكستر البريطانية، بوجود تحدِّيات كبيرة أمام الإسلاميين الليبيين، وقال لـ swissinfo.ch: “هناك مجموعة من العوامِل ستغيِّر سلوكهم، منها عملية نزع الأسلحة والتّسريح وإعادة الإدماج ومنع الصراعات والقُدرة على فضّ النزاعات”.
عاشور شدّد أيضا على أن “نزع الأسلحة والتسريح وإعادة الإدماج، هي المفتاح لنجاح التحوّل الديمقراطي في ليبيا. فإذا فشلت تلك العملية أو نجحت نجاحا جُزئيا فقط، فمن المرجّح ظهور منظمات إسلامية مسلّحة كتحدٍّ في مواجهة الدولة”. وأشار الباحث الليبي في هذا السياق، إلى أن وزارة الداخلية أعلنت مؤخّرا عن إدراج عشرة آلاف عُنصر من الثوار السابِقين في صفوفها، فيما أعلنت القوات المسلحة عن إدماج خمسة آلاف ثائِر سابق في وحدات الجيش.
مع ذلك، اعترف عاشور، الذي ألّف كتابا مرجِعيا بعنوان “مكافحة تطرف الجهاديين: تحوّلات الحركات الإسلامية المسلحة”، بضآلة عدد الذين تمّ إدماجهم، قِياسا على ضخامة عدد المسلحين في ليبيا، والذي يُقدر بـ 125 ألفا أو أكثر، كما قال. ورأى أنه، من دون تفويض شعبي تمنحه حكومة مُنتخَبة، ستظل جماعات مسلّحة عِدّة، تقاوم عمليات إعادة الإدماج وتطْعن في شرعية إدارتها.
وبحسب عاشور، سيكون المُضي في عملية نزع السلاح وتسريح المسلحين ومعاودة إدماجهم في مقدّم التحديات التي ستواجهها الحكومة المنبثِقة من البرلمان المنتخب، لأنها ستتعاطى مع أكثر من 150 جماعة مسلحة، لكل واحدة منها هياكلها القيادية المختلفة ومرجعياتها الفكرية وهوياتها الإقليمية وطموحاتها السياسية.
وقال عاشور ، إن المؤتمر الوطني العام “اعتمد حتى الآن على نفوذ زعماء القبائل وبث مزيج من رموز الدّين ووسائل الخطابة والوعود بمستقبل أفضل، إلا أن هذا كلّه لم يكن كافيا لضمان النجاح”. ورأى أنه من الأهمية بمكان أن يحصل السياسيون الليبيون بمَن فيهم الإسلاميون ومنظمات المجتمع المدني ومؤسسات الدولة، على مزيد من المساعدة لزيادة قُدرتهم على منع الصراعات وفضّها عند الإقتضاء.
وأضاف أن أحداث الكُفرة (جنوب شرق)، التي اشتبكت خلالها قبيلتان وخلّفت أكثر من مائة قتيل، كشفت عن محدودية قدرة الجيش وقوات الأمن على احتواء أعمال العنف القبلية. وأدّى فشل الجيش إلى إعلان بعض الميليشيات أنها ستحتفظ بأسلحتها لحماية عناصرها من الموالين للقذافي.
ويرى مراقبون أن مَكمَن العُقَـد الليبية المتشابِكة، يقع في “المؤتمر الوطني العام”، الذي فشِل أعضاؤه في التوافُق على رئيس وزراء يخلف رئيس الحكومة المُقال علي زيدان، ولمّا اتفقوا على مرشّح، وهو أحمد معيتيق، شابت إجراءات الإقتراع خروقات جوهرية حملت أعضاء المحكمة الدستورية على إبطال التصويت.
فهل تكون الإنتخابات المقبلة بداية لاستقرار الأوضاع في البلد وإنهاء الصراع العنيف بين الإسلاميين وخصومهم من التيارات الأخرى بعد أن اتفق الفرقاء على إجراء انتخابات برلمانية الأربعاء المقبل، عساها تكون مدخلا لإنهاء التطاحن بشأن المؤتمر الوطني، الذي أصابه الشلل نتيجة المناكفات والاتهامات المتبادلة بين الكتل.
أحمد إبراهيم – ووكالات
مصر العربية
نشرت هذه المقالة في الأصل هنا.